قصة سيدنا زكريا عليه السلام
يعتبر سيدنا زكريا عليه السلام واحداً من الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، حيث تميزت قصته بالكثير من العبر والدروس التي تتعلق بالإيمان بالله، والتوكل عليه، والصبر على البلاء، والتفاني في خدمة دين الله. وتعد قصة زكريا من القصص التي تلامس القلوب بعمق، لما فيها من معاني تفيض بالرحمة والرجاء.
1. النسب والمقام
سيدنا زكريا هو نبي من أنبياء بني إسرائيل، وهو ابن العازر بن ألعازر، وكان من أسرة صالحة ذات مقام عظيم في قومه. يقال إنه كان من أسرة متقينة مشهود لها بالتقوى والورع، وهو ذاته كان رجلاً صالحاً، محباً لله، مؤمناً بتوحيده، ساعياً في نشر الفضيلة والتقوى بين قومه.
وكان زكريا عليه السلام قد نشأ في بيئة دينية، وكان من المقربين إلى الله عز وجل. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “كان زكريا عليه السلام يصلي، وكان كهيئة الرجل الطاعن في السن الذي يطيل السجود”. وهذا يدل على مدى إخلاصه واهتمامه بالطاعات.
2. دعوة قومه
كان زكريا عليه السلام يدعو قومه إلى عبادة الله الواحد الأحد، ويحاول إرشادهم إلى طريق الحق. فقد أرسل إلى بني إسرائيل لكي يوجههم إلى التوحيد ويبعدهم عن عبادة الأصنام، مثلما كان الحال في زمنه.
ورغم جهوده المستمرة ودعوته الصادقة، واجه الكثير من الرفض والمعارضة من بعض قومه الذين كان لهم قلوب قاسية لا تؤمن بالحق. إلا أن زكريا لم ييأس وظل يدعوهم إلى الله بكل إخلاص، متبعاً نهج الأنبياء في التذكير بالله.
3. حالة سيدنا زكريا وعجزه عن الإنجاب
تتوالى الأحداث ليظهر جانب آخر في حياة سيدنا زكريا عليه السلام، وهو التحدي الشخصي الذي مر به، حيث كان عقيماً. وعلى الرغم من كبر سنه وبلوغه من العمر ما يقارب المئة عام، لم يكن له أبناء. وهذا كان يشكل عليه عبئاً نفسياً، خاصةً وأنه كان يعلم أن النبوة لا تورث إلا من خلال الذرية الطيبة. وكانت زوجته أيضاً عاقراً، ما جعله يواجه هذا البلاء بصبر كبير ورضا، وكانت هذه الحال بمثابة اختبار شديد له من الله.
وفي حين أن النبي زكريا كان قد تقدم في السن، ومرت السنوات عليه دون أن يُرزق بالولد، كانت هذه الفترة محطاً لاختبار إيمانه وعزيمته. كان يعلم أن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، وأنه لا يوجد شيء مستحيل عليه، ولكنه مع ذلك كان يشتاق إلى أن يرزقه الله بطفل ليخلفه في دعوته ويكون له سنداً في مهمته.
4. دعاء زكريا لله ورجاؤه
في لحظة من لحظات العمر، عندما كانت آماله قد تراجعت بسبب تقدم السن والعجز، جاءه الوحي من الله عز وجل. فقد دخل ذات يوم إلى محرابه، وهو المكان الذي كان يصلي فيه ويعبد الله، فرفع يديه إلى السماء ودعا الله قائلاً:
“رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَجَعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا” (سورة مريم، 6).
كان دعاء زكريا دعاءً مفعماً بالأمل، وتوجهه إلى الله بإيمان وثقة، فهو يعلم أن الله قادر على أن يستجيب لدعائه، وأنه وحده من يملك مفاتيح الكون. وفي هذه اللحظة من التضرع، كان زكريا يسعى إلى الحصول على ولد يكون له عوناً في تحقيق رسالته.
5. إجابة الله لدعاء زكريا
استجاب الله عز وجل لدعاء نبيه زكريا، وفي لحظة تفاجأ فيها زكريا بنبأ عظيم، حيث أُرسل إليه الملك ليبشره بأن الله سيرزقه بابنٍ اسمه يحيى، كان هذا الولد معجزة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد ولد من زوجة عاقر، وهو ما يجعل هذه النعمة من الله أكثر عظمة.
قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم:
“يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا” (سورة مريم، 7).
وقد كانت هذه البشرى بمثابة الفرج بعد الكرب، والفرحة بعد سنوات من الانتظار. وكان يحيى عليه السلام له مكانة عظيمة، فقد كان نبياً وصالحاً، وسار على درب أبيه زكريا في الإيمان بالله والدعوة إليه.
6. معجزة زكريا وحيرته
في البداية، شعر زكريا عليه السلام بالحيرة بعد سماع هذا الخبر العجيب، حيث تساءل كيف يكون له ولد وقد بلغ من الكبر عتياً، وامرأته عاقر لا تستطيع أن تلد. ولكن الله عز وجل شرح له الأمر وأوضح له أنه لا يوجد شيء مستحيل على الله. وأكد له أن هذا سيحدث بمعجزة إلهية.
قال الله تعالى:
“قَالَ رَبُّكَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِتَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا” (سورة مريم، 21).
وكانت هذه الآية دليل على قدرة الله البالغة في تحقيق ما يشاء مهما كانت الظروف. وبهذا أعطى الله لزكريا بصيص أمل بعد سنوات من اليأس. فكل شيء في يد الله، الذي يغير الأقدار ويقدر ما يشاء.
7. زكريا ويحيى عليهما السلام
تعد قصة زكريا ويحيى من أروع القصص التي تمثل العلاقة بين الأب والابن في طاعتهما لله. فحينما ولد يحيى عليه السلام، تربى على يد أبيه زكريا في بيئة من التقوى والإيمان. وقد شهدنا في القرآن الكريم كيف أن يحيى عليه السلام كان طاهراً، نبيّاً صالحاً، يسير على نفس طريق أبيه.
وكان يحيى عليه السلام قد آتاه الله الحكمة والصبر والقدرة على الدعوة إلى الحق، مثل أبيه زكريا الذي لم ييأس من الدعاء والرجاء.
8. الخاتمة
تُعد قصة سيدنا زكريا عليه السلام مثالاً حياً على الإيمان بالله، والصبر على البلاء، والرجاء في رحمة الله مهما طالت السنين. كانت معاناته من العقم، ثم استجابة الله لدعائه، دليلاً على أن الله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
